دروس كتابية في علمي العروض والقوافي،
صفحة 1 من اصل 1
دروس كتابية في علمي العروض والقوافي،
الحمد لله
هذه دروس كتابية في علمي العروض والقوافي، كنتُ قد بدأتُها في (ملتقى أهل اللغة)، ثم آثرتُ إشراك أهل الحديث فيها، لتعم الفائدة.
وهي دروس أرجو أن من حرص عليها، وبذل قليلا من الجهد في متابعتها، فسوف يفهم هذا العلم، ويتقن موضع الحاجة منه.
وسوف أضع - إن شاء الله تعالى - في آخر كل درس بعض التمرينات، لترسيخ الفهم.
*******************
الدرس الأول: مقدمات تمهيدية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فهذه دورة علمية كتابية في علمي العروض والقافية، أتمم بها ما شرعتُ فيه من قبل من تيسير لهذا العلم، وبث لقواعده ومصطلحاته بين رواد الشبكة من المبتدئين، والمتوسطين. وكان أول ذلك دورة كتابية مختصرة جدا، في ملتقى أهل الحديث، تنكبت فيها ذكر الاصطلاحات العروضية إلا ما ندر، واكتفيت بالأصول العامة. ثم تلا ذلك سلسلتان صوتيتان لم تكتملا بعد، أولاهما منشورة على موقع طريق الإسلام، وهي غير مقيدة بمتن ولا كتاب، والثانية على موقع شذرات شنقيطية، في شرح متن (مجدد العوافي من رسمي العروض والقوافي).
وسوف أحيط في هذه الدورة – إن شاء الله تعالى – بأغلب مباحث هذا العلم، ولا أغفل منها شيئا ذا بال، مع الحرص على التيسير في الأسلوب - ما أمكن.
تعريف علم العروض:
للعروض في اللغة جملة من المعاني، يهمنا منها تلك التي قيل بأنها سبب اختيار هذا اللفظ لقبا لهذا الفن.
فقد قيل سمي هذا العلم (العروض):
- لأن الشاعر يعرض عليه شعره، ليختبر صحيحه من فاسده.
- أو لأنه ناحية من علوم العربية، والعروض في اللغة الناحية.
- أو لأنه صعب كالعَروض، وهي الناقة شديدة المراس.
- أو لأن واضعه ألهم ذلك بمكة، والعروض هي مكة والمدينة وما حولهما.
والأول أرجح.
وقد اختلفت عبارات العروضيين في تعريف هذا العلم، والمختار في التعريف أن علم العروض: (علم بأصول يعرف بها صحيح أوزان الشعر العربي وفاسدها).
فالأصول هي القواعد الكلية أو الجزئية التي يبنى عليها هذا العلم.
فمن الكلية قاعدة المعاقبة والمراقبة والمكانفة، ومنها أيضا قولنا : (الأصل في العلة أن تلتزم، إلا إن جرت مجرى الزحاف).
ومن الجزئية قولنا مثلا: (المضارع لا يكون إلا مجزوا) و(يلتزم أن يكون الجزء الذي قبل الضرب المحذوف في الطويل مقبوضا).
وذكر الأوزان في التعريف أولى من إغفالها كما فعل بعضهم، فقال: (العلم بأصول يعرف بها صحيح الشعر من فاسده)، ووجه الأولوية أن الصحة والفساد في الشعر قد يكونان باعتبارات أخرى كصحة المعنى وفساده.
ومن التعريف المذكور نعرف موضوع هذا العلم وثمرته.
فموضوعه: أوزان الشعر العربي، كما وضعها الخليل بن أحمد رحمه الله تعالى.
وثمرته: تمييز الأوزان الصحيحة من الفاسدة.
ومسائل هذا العلم منتظمة في الفصول التالية:
- قواعد التقطيع والوزن العروضي.
- المصطلحات التي تلزم معرفتها، لابتناء معرفة الفن على ذلك.
- ألقاب الزحافات والعلل.
- الدوائر العروضية.
- البحور الشعرية. وطريقة بحث كل بحر أن يذكر أصل وزنه بحسب الدائرة، ثم تبين أعاريضه وأضربه، ثم تبسط الزحافات الجائزة فيه.
فضل هذا العلم:
علم العروض من علوم العربية، التي هي من علوم الشرع بالمحل الأسمى. ففضل هذا العلم المخصوص من فضلها. ولذلك فإن من المتعين على طلبة العلم الشرعي أن يلموا بطرف صالح من هذا العلم، يكون لهم ذخرا يستعملونه عند الحاجة إليه. أما شداة الأدب، والمتنافسون في مضمار الشعر، فهذا العلم خدنهم الذي لا يفارق، وأنيسهم الذي لا يمل ثواؤه.
ومن فوائد هذا العلم:
1. القدرة على قرض الشعر. إذ لا يكون الشعر العربي إلا موزونا، ولا سبيل إلى معرفة الأوزان بدقة وإحاطة إلا بمعرفة هذا الفن. ولا يشكل على هذا المعنى، أن بعض الناس ينظمون الشعر بغير معرفة بالعروض، وذلك للأوجه التالية:
- الأول أن هذا استثناء مخالف للأصل، وما كان كذلك فلا يتخذ قاعدة.
- الثاني أن من الناس من يكتب ويتكلم بلغة عربية فصيحة، سالمة من اللحن، مع أن بضاعته في النحو والصرف كالعدم. ولا يوجد قائل بإهمال النحو والصرف لمثل هذا التعليل. فما الفرق؟
- والثالث أن العادة حاكمة بأن الذين ينظمون الشعر مع عدم المعرفة بالعروض، يكون غالب تصرفهم في أوزان محصورة لا يتعدونها إلى غيرها، فيحجرون من الشعر واسعا.
- والرابع أن الطالب المبتدئ ينبغي أن يأخذ بالحزم في التعلم، فيختار من الطرق الموصلة إلى المراد أقربها وأسلمها من بنيات الطريق. ولا شك أن الاعتماد على السماع والذوق، دون القواعد والأصول، إنما ينفع المنتهي لا المبتدئ. لذلك متى ركن المبتدئ إلى ذلك، وترك قواعد الفن، أوشك أن يتعثر ويتردد، فلا يبلغ المراد.
- والخامس أن الناظم الذي لا يعرف العروض لا يكون قادرا على المنافحة عن شعره إذا تصدى له منتقد وادعى وجود الكسر فيه. فإن قصاراه حينئذ أن يقول: ذوقي وشعوري، فيعارض بنظيره، ويرجع إلى التقعيد والتأصيل. وهذا يقع لكثير من الناس، فإن السمع خوان، خاصة مع فشو العجمة، وأفول نجم الفصاحة والبيان.
2. القدرة على تمييز النظم الصحيح من المكسور، وبيان مواضع الكسر في المكسور منه، مع الدليل والتعليل.
3. تمييز الشعر من غيره مما ليس بشعر، كالنثر المسجوع. ونفعُ مثلِ هذا في تحقيق كتب التراث ظاهر.
4. المساعدة في استحضار الأبيات الشعرية التي طال العهد بها، فإن معرفة الوزن تجعل ألفاظ البيت يتداعى كل واحد منها إلى قرينه حتى يكتمل بناء البيت بهيا رائقا، كما نظمه صاحبه.
5. حفظ الشعر العربي المنقول من التحريف. ومن المعلوم أن الشعر ديوان العرب كما قال ابن عباس ما؛ وحفظ الشعر وسيلة لحفظ العربية التي هي وعاء الشريعة.
6. معرفة معاني المصطلحات العلمية التي يتداولها العروضيون في كتبهم. وهذه المصطلحات يكثر دورانها في كتب الأدب والشعر، بل توجد في كتب التفسير والحديث والفقه، ويقبح بطالب العلم أن يجهلها.
ذكر واضعه:
يحق لهذه الأمة أن تفتخر بواضع هذا العلم، وهو رجل من عباقرة الدنيا، وأساطين الفكر. إنه الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي. ولد سنة 100، وتوفي سنة 175 على المشهور.
وقد كان من أئمة الإسلام زهدا وعفة وتمسكا بالدين، والتزاما بالسنة، مع ذكاء خارق، واطلاع واسع.
وهو واضع معجم العين، الذي يعد أول معجم عربي على الإطلاق، وإن كان الخليل لم يتمه ولم يهذبه. كما أنه من أعظم علماء النحو والصرف، وعليه – مع غيره من أئمة النحو - اعتماد سيبويه رحمه الله فيما دبجه يراعه.
نشأة العلم وأشهر ما ألف فيه:
تتابع العلماء بعد الخليل بن أحمد على التأليف في علم العروض. فجمع بعضهم تأليفا مستقلا في هذا الفن، وأدرج آخرون الكلام عليه ضمن كتاب جامع، لفنون مختلفة.
فمن الصنف الأول:
- عروض الأخفش. وقد وجد طرف منه ونشر.
- القسطاس للزمخشري. وهو كتاب مختصر جدا.
- الوافي للتبريزي. وهو كتاب نافع.
- كتاب (شفاء الغليل في علم الخليل) لمحمد بن علي المحلي المتوفى سنة 673. وهو كتاب عظيم الفائدة، مع عدم اشتهاره بين الطلبة. ومن فوائده أنه أطال النفس –في شرح المعاقبة والمراقبة والمكانفة بما لا مزيد عليه.
ومن الكتب المرتبطة بمتون علمية في هذا الفن:
- كتاب الإرشاد الشافي في شرخ متن الكافي، وله مختصر. وفي هذا الكتاب مباحث عروضية دقيقة تروي غلة الصادي.
- كتاب العيون الغامزة على خبايا الرامزة للدماميني، ولم أطلع عليه، لكن يبدو من النقول عنه أنه جليل النفع.
ومن كتب المعاصرين:
- كتاب ميزان الذهب في صناعة شعر العرب للسيد هاشمي.
- كتاب أهدى سبيل إلى علمي الخليل لمحمود مصطفى.
ومن الصنف الثاني:
- كتاب العقد الفريد . ومن فوائده تكثير الشواهد الشعرية.
- كتاب العمدة لابن رشيق القيرواني، فيه فصل خاص بالأوزان.
- كتاب مفتاح العلوم للسكاكي. فقد عقد المؤلف في آخر الكتاب فصلا نافعا في علم العروض.
وكتب العروض كثيرة جدا لا سبيل إلى إحصائها، لكن ما ذكر هنا يغني عن غيره.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على محمد وآله.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى